.آخر الدراسات حول النوم
يعكف العلماء اليوم في معهد ماكس بلانك بألمانيا على تحرّي الذكريات وطرق تخزينها وآلية عمل الذاكرة. وقد فوجئوا عندما وجدوا أن النوم يمثل معجزة عظيمة في التذكر والتعلم! والنتائج التي نشرت في مجلة (Nature Neuroscience, November ) تمثل قفزة في معرفة كيفية التعلم والتذكر لدى الإنسان، حيث وجدوا أن قشرة الدماغ تنشط أثناء النوم!!!
وقد تبين بنتيجة هذه الدراسات أن المعلومات تخزن في منطقة عميقة من الدماغ تدعى hippocampus لفترة قصيرة ثم تتحرك خلال عدة أيام وبخاصة أثناء النوم العميق إلى قشرة الدماغ في منطقة تدعى neocortex لتصبح في مجال الذاكرة الطويلة الأمد. فقد أكد العلماء Thomas Hahn, Mayank Mehta, Bert Sakmann على أهمية النوم في عملية التعلم والتذكر حيث لاحظوا نشاطاً كبيراً للخلايا العصبية أثناء النوم.
بينت دراسة أمريكية أن النوم العميق يقلل من مشكلة زيادة الوزن وخاصة عند الأطفال. وتقول الدراسة التي أجريت في جامعة إيفانستون في ولاية إلينوي إن كل ساعة نوم إضافية تقلل من مشكلة زيادة الوزن والسمنة. وأكدت إيميلي سنيل، الخبيرة المسؤولة عن الدراسة أن قلة النوم تؤثر على الهرمونات المسؤولة عن الشعور بالجوع وخاصة عند الأطفال.
النوم مفيد للطلاب من أجل ذاكرة أقوى
لعل أكثر الفئات التي تهمها مثل هذه الدراسة هم الطلاب الذين يعانون ليلة الامتحان من الإحساس بأنهم نسوا المعلومات التي درسوها، ويحتارون بين اختيار النوم أو مزيد من المراجعة، فقد وجد الباحثون أن النوم يساعد بصورة كبيرة على حدوث التغيرات المطلوبة مخياً في اتصال الخلايا العصبية والمخ، ولهذه الاتصالات دور أساسي في قدرة المخ على التحكم في السلوك والتعلم والذاكرة.
ويعتقد الباحثون أن النتائج قدمت دليلا قويا على أن النوم يساعد العقل على أداء وظيفته جيداً، وأنه يحول الخبرة إلى ذاكرة، وتظهر أهمية هذا الأمر أثناء طريقة استعدادنا للامتحانات. ووجد الباحثون أن التغيرات في المخ متصلة بالنوم العميق أكثر من النوم الخفيف، واكتشفوا أن النوم يلعب دوراً هاماً في تنمية العقل، وهذا الاكتشاف سوف يساعد الباحثين في الإجابة على التساؤل المعقد: لماذا ننام؟
صورة كهربائية إحدى الخلايا العصبية في منطقة من الدماغ مسؤولة عن تخزين الذاكرة تدعى hippocampus ويبين المنحني الأحمر النشاط الكهربائي في هذه المنطقة، أما المنحني الأزرق فهو النشاط الكهربائي في قشرة الدماغ حلال نفس اللحظة. وتؤكد الدراسات في هذا المجال أن المعلومات الجديدة التي يحصل عليها الإنسان يتم في البداية تخزينها في جزء من الدماغ يطلق عليه اسم هيبو كامبوس Hippocambus. وفي نهاية اليوم، لا يقوم الدماغ بحذف هذه المعلومات ونسيانها، بل أنه يتم استدعائها من جديد وتخزينها في الدماغ. المرجع Max Planck Institute for Medical Research
ويقول البروفيسور مايكل ستريكر من جامعة كاليفورنيا: لو راجع الطالب دروسه جيدا حتى نال منه التعب ثم نام، فإن المخ سيستمر في العمل أثناء النوم بنفس الطريقة، كما لو ظل الطالب طوال الليل يردد ما درسه! وهنا أيضاً نتذكر آية عظيمة لفت القرآن انتباهنا لها في عصر لم يكن أحد على وجه الأرض يدرك أهمية النوم وإعجازه، يقول تعالى:
(وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) [الروم: 23]. فالنوم هو معجزة حقيقية لا يزال العلماء يقفون أمامها مندهشين حائرين، وليتهم اطلعوا على كتاب الله لتزول حيرتهم ودهشتهم!
أوضح العلماء الدور الهام جداً الذي يلعبه النوم في أداء العقل لوظائفه الفعالة، وذلك من خلال دراسة أمريكية أجريت على القطط، وسوف تكون لها آثار على البشر الذين يريدون تحسين قدرات التعلم والتذكر لديهم، وبخاصة الطلاب. التجارب على القطط أثبتت أن أدائها يتحسن إذا نامت بشكل جيد حيث تصبح أكثر قوة ونشاطاً وحركة! أجرت الدراسة اختبارات على التغيرات التي تحدث في عقول القطط بينما إحدى عينيها مغطاة لمدة ست ساعات، فقد تبين أن عقول القطط التي سمح لها بالنوم لمدة ست ساعات بعد التجربة، أظهرت تغيراً وتكيفاً أكثر من تلك التي لم يسمح لها بالنوم.
الدماغ يسترجع الذكريات أثناء النوم
يؤكد الباحثون من جامعة شيكاغو أن الحقائق التي ينساها الناس خلال يوم حافل بالعمل ربما يمكن استرجاعها إذا أعقب ذلك النوم بشكل جيد. وطلب الباحثون من متطوعين تذكر كلمات بسيطة، ووجد كثيرون أن ذاكرتهم تخذلهم في نهاية اليوم لكن في صباح اليوم التالي استطاع أولئك الذين ناموا نوماً مريحاًً استرجاع المعلومات بشكل أفضل بكثير.
وهذا يعني أن المخ يمكن أن يسترجع خلال الليل الذكريات التي كادت أن تنسى. وعندما يطلب من المخ تذكر شيئاً لأول مرة تكون هذه المعلومة في حالة غير مستقرة وهو ما يعني أنها ربما تكون قد نسيت. وفي مرحلة ما يضع المخ المعلومات المهمة في حالة أكثر استقراراً وثباتاً. لكن الباحثين يرون أنه من الممكن أن تعود الذاكرة المستقرة إلى حالة عدم الاستقرار مرة أخرى عندما يتم استرجاعها. ويعني ذلك أن الذكريات يمكن تعديلها وحفظها مرة أخرى عند مواجهة تجارب جديدة. إن هذه القضية بالفعل تحير العقول، فهل الطبيعة هي التي صممت هذا النظام الدقيق للنوم؟ وهل المصادفة العمياء هي التي جعلت الكائنات الحية تنام، وهي تعلم أن النوم مفيد لها؟ ولا نملك إلا أن نقول سبحان الله القائل: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [الذاريات: 21].
صورة مأخوذة بجهاز المسح بالرنين المغنطيسي الوظيفي، نرى في الصورة اليسرى دماغ النائم في بداية نومه ولا يبدو أي نشاط عليه، وبعدما تم إسماع النائم عبارات ومعلومات تجاوب دماغه مع هذه المعلومات وبدأ ينشط (انظر المناطق الحمراء على يمين الصورة) ومن هنا تأكد العلماء أن الدماغ يعمل أثناء النوم ويتلقى المعلومات ويخزنها ولذلك أنصح كل أخ وأخت أن يستغلوا فترة نومهم في الاستماع إلى القرآن!
النوم ينمي المواهب والمهارات
يقول الباحثون: إن النوم المريح والمترافق بمواصلة الممارسة واستمرارها، يمكن أن ينمي ويطور المهارات الفردية الخاصة والمواهب الشخصية، وخصوصا ما يتعلق بتنشيط الذاكرة وتنشيط استذكار ما حدث في الماضي، واستذكار التصورات.
يقول الدكتور ستيفان فيشر الذي ترأس هذه الدراسة: إن النوم مفيد بل ضروري لتحقيق مستوى أفضل من المهارات، ويقول رئيس جمعية النوم البريطانية نيل ستاندلي: إن الدراسة الجديدة تؤكد من جديد على أهمية النوم في حياة الإنسان وأنه من الخطأ أن يتصور البعض أن النوم مجرد مضيعة للوقت وبلا فائدة.
يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا) [الفرقان: 47]. إن هذه الآية تؤكد أهمية النوم، وقد نزلت في عصر كان يُنظر فيه إلى النوم على أنه مجرد عادة ولا فائدة منه، ولكن القرآن حدثنا عن معجزة وآية عظيمة هي النوم، وهذا من إعجاز القرآن.
دراسة ألمانية تثبت وجود علاقة بين النوم والإبداع
لقد أثبتت سلسلة من الدراسات الألمانية وجود علاقة بين النوم والقدرة على الإبداع، وأن الدماغ يمارس نشاطات إبداعية أثناء النوم. ويقول الدكتور كارل هانت، رئيس المركز القومي لأبحاث اضطرابات النوم التابع للمعاهد القومية للصحة في ألمانيا: إن نتائج وانعكاسات مثل هذه الدراسات ستكون بالغة الأهمية على أداء الأفراد على الصعيدين الدراسي والعملي.
هناك دراسة قام بها علماء جامعة لوبيك أثبتوا فيها نظريات الكيمياء الحيوية biochemical التي تشير إلى أن المخ يعيد ترتيب الذاكرة قبيل التخزين، وترى النظرية أن تطوير القدرات والإبداع يحدث أثناء هذه المراحل، ويقول الدكتور بورن: قد تقع عملية إعادة الترتيب هذه بطريقة ما تسهل من عملية حل المشاكل والمصاعب. ولكن التفاعلات الدقيقة التي تؤدي لشحذ المخ بتلك المقدرات أثناء النوم مازالت غير واضحة.
يهتم العلماء الألمان بظاهرة النوم ويحاولون الاستفادة من نتائج تجاربهم، ويقولون: تبدأ التغييرات في المخ التي تؤدي إلى الإبداع وتطوير القدرات في الحدوث أثناء ما يسمي بالموجات البطيئة slow waves أو النوم العميق التي تحدث أثناء الساعات الأربع الأولى من دورة النوم، وقد تفسر الدراسة الألمانية أيضاً فقدان الذاكرة مع التقدم في العمر الذي يرتبط باضطرابات وقلة النوم، خاصة العميق منه والضروري لعملية شحذ الذاكرة.
وكان الباحثون قد ربطوا منذ وقت طويل بين النوم وقدرته على شحذ الذاكرة وتقوية وترتيب الأفكار، بيد أنهم واجهوا صعوبة في تصميم تجربة تؤكد النظرية الشائعة، وتساهم اضطرابات النوم في التأثير بصورة سلبية على شريحة واسعة من المجتمع الأمريكي تبلغ 70 مليون نسمة، وذلك بتراجع حدة الذكاء وارتكاب الحوادث والإصابة بأنواع مختلفة من الأمراض.
النوم الأقل هو الأفضل
النوم لمدة ثماني ساعات يوميا كان يعتبر لفترة طويلة المدة المثالية من النوم التي يحتاجها جسم الإنسان، إلا أن بحثاً جديداً يقول إنها قد تقصر من عمر الإنسان. وخلصت دراسة أجريت على أكثر من مليون شخص إلى أن من ينامون ثماني ساعات أو أكثر يومياً يموتون في سن أصغر من نظرائهم الذين ينامون عدد ساعات أقل.
كما أن من ينامون أربع ساعات أو أقل يوميا معرضون للموت المبكر أيضاً. إلا أن من ينامون ست أو سبع ساعات يوميا يعيشون حياة أطول. وقام علماء بجامعة كاليفورنيا بهذه الدراسة التي أظهرت علاقة واضحة بين فترات النوم الطويلة وارتفاع معدلات الوفاة. إلا أن فريق البحث لم يتوصل للسبب وراء هذه العلاقة بعد.
ويقول البروفيسور جيم هورني من مركز أبحاث النوم في جامعة لوبورو إن من يدافعون عن أقساط النوم الطويلة مضللون. ويمكننا أن نؤكد أن النوم ست أو سبع ساعات يوميا هي فترة كافية، ما يحدد عدد ساعات النوم التي يحتاجها الجسم هو إذا ما كنت متيقظاً أو تشعر بالرغبة في النوم أثناء اليوم. كما أوضحت الدراسة أن إصابة البعض بنوبات من الأرق ليس له علاقة بارتفاع نسب الوفاة. لكنها خلصت إلى أن من يتناولون أقراصا منومة أكثر عرضة للوفاة مبكراً.
ومن جديد نقول سبحان الله! لقد نزل القرآن في زمن انتشرت فيه الأساطير وكان الاعتقاد السائد لدى كثير من الشعوب أن النوم لساعات طويلة هو الأفضل، حتى جاءت أبحاث القرن الحادي والعشرين لتثبت أن النوم لفترات قصيرة هو الأفضل للإنسان، ونقول: أليس هذا ما أكده القرآن كثيراً في آياته؟ انظروا معي إلى قول الحق تبارك وتعالى في حق المتقين: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات: 17-18].
كذلك أمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ألا يكثر من النوم وأن يعوض ما ينقصه من نوم الليل من خلال النهار، يقول تعالى:
(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا) [المزمل: 1-7].
ففي هذا النص الكريم أمر بعدم الإكثار من النوم في الليل، وتعويض ذلك في النهار، وهذا ما يؤكده عدد من الباحثين اليوم! حتى إن بعض الدراسات تقول بأن النوبات القلبية القاتلة غالباً ما تحدث بعد الصبح وتستمر حتى ما بعد طلوع الشمس، وربما ندرك لماذا كان النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم يمضي هذه الفترة بالذات في ذكر الله والتسبيح وتلاوة القرآن!!
يقول الدكتور دانييل كريبكي أستاذ الطب النفسي: لا نعرف إذا ما كان النوم لفترات طويلة يؤدي إلى الوفاة، ونحتاج لإجراء دراسات إضافية لتحديد إذا ما كان ضبط الشخص للمنبه ليوقظه بعد ساعات قليلة سيساعد في تحسين صحته. ويمكننا أن نؤكد لمن ينام متوسط ست ساعات ونصف الساعة يومياً أن هذه المدة كافية. ومن وجهة نظر صحية لا يوجد سبب يدعو للنوم لساعات أطول.
وهناك دراسات أخرى تؤكد أن الاستيقاظ في الليل مفيد للصحة وبخاصة القلب، فالنوم الطويل يضرّ القلب، حيث يتعرض القلب أحياناً لنقص الأكسجين نتيجة النوم الطويل، وبالتالي يقولون: إن الاستيقاظ في الليل ولو لمرة واحدة مفيد لإمداد القلب بالأكسجين الكافي وتجنب الموت المفاجئ! وسبحان الله، هذا ما أكده القرآن وهذا ما كان يفعله النبي عليه الصلاة والسلام عندما كان يستيقظ من الليل فيتفكر في خلق الله ويذكر الله ويقوم الليل!
النوم بالنهار لا يقل أهمية عن النوم بالليل
يقول الباحثون إن نوم القيلولة مفيد تماما مثل نوم الليل، ويؤكد الباحثون: من منظور التحسن السلوكي, يمكن اعتبار نوم القيلولة مفيداً مثل النوم خلال الليل فيما يخص وظائف الإدراك الحسية.وقد قام فريق البحث من جامعة لوبك الألمانية، بتجارب تشخيصية على 52 متطوعاً، أثبتوا أن المشاركين أدّوا ما طلب منهم خلال التجارب بنفس المستوى بصرف النظر عن موعد النوم، ليلاً كان أم نهاراً.
وهنا نعود فنتذكر تأكيد القرآن على أن النوم في الليل والنهار مفيد لنا بل إن النوم في النهار لا يقل أهمية عن الليل كما قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)، فهذه معجزة تشهد للقرآن على أنه كتاب منزل من لدن حكيم عليم، لأن هذه المعلومات جديدة على العلماء بل لم يدركوا أهمية النوم بالنهار إلا في القرن الحادي والعشرين، ولكن القرآن أكد على أهميته بل اعتبره معجزة وآية وذلك قبل أربعة عشر قرناً!! وسبحان الله، بعد كل هذه الحقائق يأتي من يقول إن القرآن كلام بشر!
الذاكرة تكون ضعيفة بعد الاستيقاظ مباشرة
قام العلماء من جامعة هارفارد بدراسة حول علاقة الذاكرة بالنوم، واستخدموا لذلك جهاز المسح بالرنين المغنطيسي الوظيفي fMRI ولاحظوا نشاطاً للدماغ في منطقة محددة، ثم ينتقل النشاط لمنطقة ثانية وهكذا يبدو أن الدماغ يقوم بترتيب المعلومات وتنسيقها وتخزينها بحيث تتم استعادتها بسهولة بعد الاستيقاظ من النوم. ولكن دراسة ثانية أظهرت أن التركيز يكون في الحد الأدنى بعد الاستيقاظ مباشرة، ويتطلب من 15-30 دقيقة حتى يتمكن من استعادة قدراته الذهنية. ولذلك ينصح الباحثون أن يقوم الإنسان بعد الاستيقاظ مباشرة ببعض التمارين الرياضية الخفيفة ريثما يستعيد المخ نشاطه.
وهنا ربما ندرك لماذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يذكر الله كثيراً بعد الاستيقاظ مباشرة، ثم يتوضأ ويصلي، أي أنه كان ينفق جزءاً في الصلاة والذكر من وقته قبل أن يقوم بأي نشاط أو يتخذ أي قرار. ولو تتبعنا أقوال العلماء اليوم نجدهم يؤكدون أن الذاكرة تكون في أقل مستوى لها بعيد الاستيقاظ وأنه من الخطأ اتخاذ أي قرار مهم أو قيادة السيارة أو إعطاء رأي في مسألة ما.
فنجدهم يحذرون الأطباء المناوبين ورجال الإطفاء والعاملين ليلاً والذين يتطلب عملهم اتخاذ قرارات مهمة بعد الاستيقاظ، ينصحونهم بألا يتخذوا أي قرار أو يقوموا بأي عمل إلا بعد مضي ربع ساعة على الأقل، ونقول إن نبينا عليه الصلاة والسلام كان يقضي هذه الفترة بعد الاستيقاظ مباشرة في ذكر الله والصلاة تمهيداً لممارسة عمله اليومي واتخاذ القرارات.
ولذلك يقول تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الزمر: 42]. فهذه الآية تشير إلى أهمية النوم، بل وتربط بين النوم والموت، ولذلك ينبغي أن نهتم بنومنا، وأن نذكر الله قبل النوم وبعد الاستيقاظ، مقتدين بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ماذا نتعلم من هذه الدراسات؟
1- ألا نكثر من النوم، وأن نستيقظ كل يوم لصلاة الفجر، وهذا سيزيد من قوة القلب ويزيدنا صحة ونشاطاً، وأن نعوض ما ينقصنا من نوم الليل خلال النهار.
2- أن نستغل فترة نومنا بالاستماع إلى القرآن، لأن الدماغ سيقوم بتخزين الآيات التي نستمع إليها أثناء النوم، وهذه الطريقة ستساعدنا على حفظ كتاب الله. وأقول إنني مارستُ هذه الطريقة وساعدتني على حفظ القرآن دون أي جهد يُذكر!
3- أول شيء ينبغي القيام به بعد الاستيقاظ مباشرة هو الأدعية المأثورة عن النبي مثل: (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور)، ثم الوضوء والصلاة وتلاوة القرآن لمدة ربع ساعة على الأقل، إن هذا النشاط سيجعلنا أكثر قدرة على اتخاذ القرارات المهمة في حياتنا.
وأخيراً أقول يا أحبتي إن الإسلام أكثر من رائع، فوالله لم أحس بلذة الحياة إلا بعد حفظ القرآن، ولم أحس بالراحة النفسية التامة إلا عندما أحس بأنني قريب من الله، فإذا كنتَ مسلماً فاحمد الله كثيراً على هذه النعمة، وبالنسبة لمن لا يقتنع بالإسلام نقول له فقط اقرأ كتاب الله وتأمل هذه المعجزات، وتصور تلك الحياة التي ستعيشها قريباً من الله تعالى عندما تكون مؤمناً خاشعاً، وقارن ذلك بالحياة المليئة بالهموم التي تعيشها الآن وأنت بعيد عن ربك، ثم اختر الحياة التي تناسبك!
نسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتنا على الحق، وأن يجعل هذه المعجزات وسيلة لكل من في قلبه شك ليتعرف من خلالها على حقيقة الإسلام، وليدرك عظمة هذا الدين، ويدرك الرحمة التي جاء بها سيد البشر صلى الله عليه وسلم. ونختم هذا البحث بهذه الآية العظيمة، يقول تعالى:
(وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ